ملامح من الروحانية الأغناطية

بقلم الأب بيتر هانس كولفنباخ

ارتبطت جماعة رفاق الكرمة منذ نشأتها في العالم وأيضًا في مصر بالروحانية الإغناطية. وتعتبر جماعة الرفاق الرياضات الروحية للقديس إغناطيوس أهم منابعها الروحية. فما هي أهم ملامح الروحانية الإغناطية؟

الحياة هي من أجل الآخرين

عندما يعيد إغناطيوس قراءة حياته ليمليها على سكرتيره الخاص، يقر بأن رغبته في "مساعدة النفوس" كانت حاضرة دائمًا في قلبه منذ أن دخل المسيح حياته. وحتى في أكثر أوقات حياة إغناطيوس تذبذبًا، لم يكف أبدًا عن تقديم المساعدة الروحية للنفوس التي كانت تأتي إليه. ويقصد إغناطيوس بـ"مساعدة النفوس" مساعدة وتنمية الإنسان كله بجميع أبعاده وجوانب شخصيته. فبالنسبة لإغناطيوس هناك تكامل بين "مجد الله" و"مساعدة الآخرين". "فمجد الله يتحقق في خلاص الإنسان. وعندما نذهب مع المسيح نحو العالم، فذلك من أجل =امتداد هذا ملكوت الله ليشمل جميع ظروف البشر وحالاتهم." (الرياضات الروحية 107 – 145 – 126).

نحن إذًا مدعوون للنظر للعالم بنظرة الاقانيم الثلاثة نفسها الذين يتأملون ما يجري على الأرض، ويرسلون الابن ليتابع تجسده الذي يخلص البشر (تأمل التجسد – الرياضات الروحية 102). وليس ذلك الخلاص إنقاذًا يائسًا لبعض الأفراد غير المرتبطين بل اجتماعًا للعائلة الإنسانية كلها في مجد الله. ويُدخلنا هذا التأمل الإغناطي في الرغبة الأساسية الكامنة داخل قلب الله: "العمل من أجل جميع الرجال وجميع النساء، تعليمهم، معاونتهم، مداواتهم، الاتحاد بهم في صداقة، وعمل الخير لهم".<

نظرة حب للعالم

في تاريخ الروحانية المسيحية، كان هذا التناول من جانب إغناطيوس ثوريًا: فروحانية عصره كانت تتميز بالهرب من العالم خلف جدران الأديرة. ولكن إغناطيوس تلقى دعوته وهو ما زال علمانيًا ولذا فإن خاصيتها الرسولية تظهر واضحة جلية: "نحن لسنا بنساك بل رسل".
وهذا يعني قبل كل شيء البقاء في العالم (راجع يو 17): العالم الذي أراده الله وخلقه، وما زال يريده ويخلقه، العالم الذي بنيناه وأهملناه ودمرناه. كانت رغبة إغناطيوس أن يظل دائمًا سائحًا يبحث عن إرادة الله. وخلف هذه الرغبة يختفي تصميمه على ألا يتقوقع أبدًا على ذاته وعلى أن يعتبر العالم كله بيته. وهذا ينطبق بصورة خاصة على جميع النفوس التي تحتاج إلى المساعدة والتي لا يهتم بها أحد.

الله في كل شيء وكل شيء في الله

كان إغناطيوس مؤمنًا بأن الله ليس غائبًا عن العالم. وبأن حضوره الإيجابي يعمل دائمًا ويملأ كل الكون. ولكن اكتشاف هذا الحضور يتطلب النظر بعيني الإيمان وبحب لكل شيء. فالله موجود في كل شيء، ويجب أن نكون حساسين لذلك، لأنه كثيرًا ما ننظر دون أن نرى. والتأمل هو المقدرة على رؤية كل شيء – كل ما يوجد ويحدث في العالم – بنور الإيمان.

الصلاة الإغناطية صلاة رسولية

الله يدعونا إذًا للتعاون معه، فإتمام عمله الخلاصي في جميع أعمالنا ومشاريعنا. إن البحث عن وجه الله في قلب البشر هو بحث في حياتنا وعالمنا عن الرد على سؤال صلاتنا: "يا رب ماذا تريد أن أفعل؟". هذه هي الصلاة الإغناطية: صلاة رسولية لا تبحث عن الراحة أو الاستكانة، ولا تبحث أيضًا عن استنارة أو لحظات فرح أو سعادة، ولكنها تُدخِل في نور الإيمان جميع أفراحنا وأحزاننا، آمالنا ومخاوفنا، حتى يمكن بعد ذلك، باسم الرب، أن نقول كلمة حياة أو نعمل أعمال المسيح لمساعدة من يتألمون.

ومن هنا جاء تفضيل إغناطيوس لفحص الضمير أو مراجعة الحياة كصلاة إغناطية خاصة، لا لنحاكم أنفسنا بلا انقطاع، ولكن لنميز في جميع أحداث واعمال كل يوم وجود روح الله العالم فينا. وفي هذا الإطار فضّل إغناطيوس الصلاة القصيرة المركزة على الصلوات الطويلة المحفوظة.
وفي هذا الإطار نفسه أيضًا، اختار إغناطيوس أن يعلن رفضه للأمور الروحية العجيبة وأن يضع ثقة كبيرة في الواقع اليومي. وكان هذا أيضًا ثوريًا بالنسبة لعصره، حيث كانت الروحانية تسعى لبناء عالم خاص عجيب. واليوم تدعونا روحانية إغناطيوس لأن نُدخِل في المسيح كل ما يكوِّن الحياة الحقيقيّة للبشر.

لمجد الله الأعظم

وأخيرًا اختار إغناطيوس الديناميكية والتغيير. فالتجديد المستمر بُعدٌ أصيلٌ للحياة في الروحانية الإغناطية التي تتطلب التقييم المتواصل للمشاريع والأعمال، لمعرفة ما إذا كانت حقًا تهدف تحقيق إرادة الله لمساعدة النفوس، والتكيّف مع متغيرات الزمان والمكان. كي تكون دائمًا مدفوعة بالمزيد من مجد الله الأعظم.

اختيار الحياة في جماعة

بدأ إغناطيوس طريقه وحديًا. ولكنه مع تواتر تأمله في الله الذي أراد أن يكون عمانوئيل – أي الله معنا – وفي المسيح وسط تلاميذه، نمت في داخله الرغبة في أن يشارك العالم كله هذا الحب. ووصل إلى اكتشاف أن هناك تنوعًا كبيرًا من الشخصيات والمواهب بعدد "الرسل" في شعب الله.
وأسس بعض هؤلاء "الرسل" الرهبانية اليسوعية منذ 450 عام، ولكنهم أيضًا أسسوا الكثير من جماعات العلمانيين التي منها الأخويات المريمية التي تطورت في ستينات هذا القرن إلى جماعات الحياة المسيحية أو رفاق الكرمة. والأخويات المريمية واحد من جماعات العلمانيين التي ألهمها أو جددها إغناطيوس ورفاقه.

ولكن ما الذي دفع الآباء المؤسسين للرهبانية اليسوعية لتأسيس جماعات علمانية أخرى؟ أولاً وقبل كل شيء حركتهم خبرتهم في الحياة داخل جماعة وصداقتهم الممتدة ومعرفتهم بأهمية المساندة المتبادلة للنمو الإنساني والمسيحي. هذه الحياة الجماعية قادتهم إلى أن يكون لهم هدف واحد وأسلوب واحد واتحاد في جسد واحد من أجل ثمر أكثر للنفوس. لقد أحسوا أنهم مدفوعون من الله لهذه الوحدة. فالنفوس المتحدة لها قدرة أكبر على تنفيذ جميع أنواع المهام الصعبة، كما ستمكنهم هذه الوحدة أيضًا من الاستمرار والصمود لفترة أطول.

جزء من محاضرة للأب بيتر هانس كولفنباخ - المساعد الكنسي العالمي السابق لرفاق الكرمة والرئيس العام السابق للرهبانية اليسوعية – ألقاها في المؤتمر العالمي لرفاق الكرمة المنعقد في جوادالاخارا – المكسيك – عام 1990.